• خمسة أسباب تبيّن لماذا الذكاء العاطفي يعد من الصفات الحاسمة في القادة
  • بين الثقة والغرور والتسليم!!
  • مختصون : التزام الصمت والابتسامة والكلمة الرقيقة جسر التواصل مع غضب الزوج
  • تكمن أهمية فن الإلقاء وكونه وسيلة عظيمة في تبليغ دين الله ودعوة الناس إليه بل هو وسيلة مهمة لكل من يريد الوصول إلى قلوب وعقول الناس أياً كان مقصده وغايته.
  • ما الرسالة التي يتضمنها الموقف وما الذي تنقله للأبناء؟
الأربعاء، 3 أكتوبر 2012


تعليم الأبناء المسؤولية

في إحدى حلقات الكاميرا الخفية فتح مقدم البرنامج صنبور ماء على الطريق وأخذ يرقب المارة وردود فعلهم تجاه الماء المتدفق، وتباينت ردود الأفعال فمن المارة من التفت التفاتة عابرة وأكمل طريقه، ومنهم أبدى بعض الاستغراب ولكنه مضى في طريقه، وقام أحدهم بالذهاب إلى الصنبور لإغلاق الماء. لماذا لم يكترث بعض المارة للأمر؟ ولماذا اهتم أحدهم وقام بإغلاق الماء؟ إنه الشعور بالمسؤولية.


كنت في زيارة لصديقة لي وبينما كان الأبناء يلعبون ويتراكضون إذ تعثر ابنها في حافة البساط وسقط مرتطما بالطاولة، فقامت الأم واحتضنت ابنها وأخذت تضرب بيدها الطاولة في محاولة للتخفيف عن ابنها. مشهد يتكرر كثيرا في مثل هذه المواقف.


ما الرسالة التي يتضمنها الموقف وما الذي تنقله للأبناء؟

وما علاقتها بموضوع المسؤولية؟

عندما تضرب الأم الطاولة فكأنها تقول له أن الطاولة هي السبب بوجودها في طريقه وليس السبب في الركض المتهور من الابن، ومن هنا يتعلم الأبناء تعليق الأخطاء على أي عنصر في الموقف مبتعدين بذلك عن تحمل المسؤولية، فإذا حصل أحدهم على درجة منخفضة في الاختبار فلأن المادة معقدة ولأن الأسئلة صعبة ولأن الأستاذ متعنت ولأن ولأن .. وليس من بينها لأنه لم يكن منتبها لدروسه أو لأنه لم يجتهد في الاستذكار، يقول تعالى: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} ، هكذا يعلمنا القرآن المسؤولية عن أعمالنا.


يعد تعليم الأبناء المسؤولية هدفا يتفق على أهميته المربون، ولكنهم يختلفون في تحديد معنى المسؤولية  وكيفية تحقيقها، ويمكن القول بأن المسؤولية تتضمن أمرين لا بد أن يتميز بهما الشخص المسئول..


الأول:
أن يضع حاجات الآخرين في اعتباره ويتقدم لتلبيتها وأن يرى نفسه معنيا بحل المشكلات وسد الثغرات أينما مر بها .
الثاني:
أن يدرك مسؤوليته عما يقوم به من تصرفات أو يحصل له من مواقف.
والتربية على المسؤولية تعني التركيز على هذين الجانبين بالتنمية والتدريب.




ومن المعاني التي يجب أن يدركها الأبناء ويتربون عليها ما يلي:
عملي لن ينجزه غيري، الاعتماد على النفس في الحاجات الشخصية اللبس تناول الطعام ، تنظيف الأسنان منذ الطفولة المبكرة.
إذا وعدت أو التزمت فلا بد من الوفاء، ومن الأهمية بمكان أن يلتزم الآباء بما يقولون فإن حددوا موعدا لإنجاز أمر يتعلق بالابن خاصة فلابد من الالتزام به ليكونوا محل ثقة الأبناء ويغرسوا فيهم المسؤولية تجاه ما يقولون وما يفعلون، وإن حبسهم عذر عن الوفاء بما وعدوا فلا بد من التوضيح والاعتذار.
أن لا يكون اهتمامي فقط بأسرتي بل بالآخرين من حولي، يبدأ الإنسان حياته متمركزا حول ذاته ينظر إلى احتياجاته ثم تتسع الرؤية لتشمل حاجات أسرته ومجتمعه، ولا بد من دعم ذلك بتدريبه على رعاية من هو أصغر منه والاهتمام بالأسرة، ومنه الاهتمام بأمور المسلمين في كل مكان "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".
أن أكون مسئولا ومحل ثقة من قبل الآخرين: ويتضمن ذلك أداء أعمال قد يكون فيها صعوبة ، وقد ألغي عملا ممتعا كنت قد خططت له من أجل تقديم خدمة للأسرة .


ومن أبرز الأساليب في تنمية المسؤولية :


 نمذجة المسؤولية: يحب الأبناء شخصيات قصصية أو رياضية أو غيرها ولكن يبقى الآباء هم النموذج الأول الذي يحتذيه الأبناء، فإذا قدمنا لهم سلوك المسؤولية عمليا فالأغلب أنهم سيتعلمونه بطريقة تجعلنا نفخر بهم، فاكتساب السلوك الإيجابي يحصل من خلال فعل المربين أكثر من توجيهاتهم.

البداية المبكرة: فالطفل منذ عامه الأول يكون مستعدا لوضع لعبه في مكانها ، والمساعدة في التنظيف والترتيب، وتحمل بعض مسؤوليات خدمة الذات، ومن المهم تكليف الأبناء بمهام معينة لخدمة الأسرة والمشاركة في الأعمال المنزلية .وتتزايد المهام والمسؤوليات خلال مراحل العمر، ويحتاج الأمر إلى صبرنا ودعمنا فكثيرا ما يسبب استعجالنا وقلة صبرنا فوات كثير من الفرص التي يمكن أن يتعلم منها الأبناء.



التشجيع والتحفيز: بحيث يكافأ سلوك المسؤولية بشكل مباشر فور حدوثه، مع تجنب المكافأة المشترطة أي تلك التي يقول فيها الابن إذا قمت بكذا من أعمال المساعدة فما مكافأتي، وكذلك المكافأة الموعودة التي يحددها الآباء قبل العمل " إذا قمت بكذا من الأعمال فلك كذا، حيث تؤدي هذه الأساليب إلى نتيجة عكسية فينشأ الابن على انتظار المقابل المادي والمصلحة من وراء الأعمال التي يشارك فيها ولا ينطلق على ذاته وإحساسه بالمسؤولية، ومن جميل ما قيل في الشعور بالمسؤولية قول الشاعر واصفا تصرفه تجاه سماع نداء محتاج حيث يجد نفسه تنطلق للإجابة وكأنه المعني بالنداء:

إذا القومُ قالوا: مَن فتىً؟ خِلتُ أنني              عُنيتُ, فلم أكسل ولم أتبلّد


ترك الابن يتخذ القرار ويجرب نتائج المسؤولية، فإذا قرر أخذ لعبته المفضلة عند الخروج للنزهة وتم التأكيد على ضرورة الحفاظ عليها والتحذير من ضياعها، و ضاعت اللعبة فلا بد من ترك الطفل يتحمل نتيجة ذلك وعدم المبادرة إلى إحضار لعبة بديلة .. هذا بالطبع لا يعني عدم مواساته في فقد اللعبة، مع ضرورة تجنب اللوم على أخذها فالموقف وما يتضمنه من مشاعر الندم وحسرة الفقد كافية لتقديم درسا في تحمل مسؤولية الحفاظ على المقتنيات.

إعطاء الأبناء الثقة، والتركيز على إمكانياتهم ونجاحاتهم وليس على أخطائهم ومواقف فشلهم، عندها سيثق الابن في نفسه، مما يعني أننا إن اعتقدنا أنهم لا يستطيعون تحمل المسؤولية فسيكون هذا هو اعتقادهم أيضا.


التعاون التربوي: من المهم أن يكون لنا كمربين اتصال بمن نتوسم فيهم النظرة التربوية الصائبة فمن شأن ذلك أن يعيننا على رؤية نقاط القوة ومواقف المسؤولية في تصرفات الأبناء وتحديد الجوانب التي يجب التركيز عليها وتنميتها.

الاعتدال في تلبية رغبات الأبناء: إن تلبية جميع رغبات الأبناء وأمنياتهم ينعكس سلبا على حياة الأبناء ويشعرهم بأن تحقيق أمنياتهم مسؤولية تقع على المقربين والمحيطين بهم، لا بد أن يتربى الأبناء على أن يعمل كل منهم لتحقيق ما يصبو إليه ولا ينتظر ذلك من الآخرين، ومن التطبيقات التي يتمثل فيها ذلك توجيه الأبناء إلى التوفير من مصروفهم لشراء لعبة جديدة يريدون اقتناءها، تحديد أعمال منزلية إضافية كفرص للأبناء يحصلون بأدائها على تحقيق رغبتهم في نزهة أو زيارة أو مشاهدة برنامج.


تدريب الأبناء على تنظيم الأعمال: فمن أصعب المهارات الموازنة بين الأعمال وترتيب الأوليات ، يحتار الأبناء بين الواجبات المدرسية وأعمال المساعدة المنزلية واللعب مع الأقران، وينسون في كثير من الأحيان ما يجب عليهم أداؤه بسبب تركيزهم على اللعب ، ويمكننا مساعدتهم على تنظيم أعمالهم وإنجازها بأن نطلب منهم كتابة قائمة الأعمال وتحديد أيها سيتم إنجازه أولا ثم التالي وهكذا، ومن التطبيقات المهمة في هذا الصدد، وضع القوانين المعينة على إتمام المسؤوليات " الواجبات أولا ثم مشاهدة التلفاز" و تحديد أهداف يومية " ما الذي عليك أن تفعله اليوم " ، وأن يتعلموا كيف يقسمون المهام التي يتطلب إنجازها وقتا طويلا إلى مهام صغيرة ، مثل وضع جدول المراجعة قبل الامتحان، وعندما يتعلم الأبناء وضع قائمة للمهام ومراجعتها لتحديد الإنجاز يصبحون أقدر على تنظيم أعمالهم وجدولتها وأكثر التزاما بمسؤولياتهم.



غرس عناصر المسؤولية: الجد والمثابرة والصبر تعد من أهم عناصر المسؤولية، وتحتاج هذه الصفات إلى الوقت والتدريب من الآباء ومن الأبناء لتنمو وتظهر في السلوك، وتفتح المجال لظهور صفة المسؤولية، التي تتدرج من الاعتراف بالمسؤولية " نعم هذه مسؤوليتي"، إلى أداء الواجبات حتى ولم يكن مزاجه مستعدا لذلك، عندها الابن يكون قد قطع شوطا في تعلم المسؤولية.

تكوين المسؤولية الاجتماعية: لا بد من توسيع الرؤية لدى الأبناء وإشعارهم بأن مسؤوليتهم لا تقف عند حد الأسرة فقط فكل فرد عليه مسؤولية تجاه المجتمع والبيئة التي يعيش فيها، ولا بد من أن نحيي في نفوس أبنائنا مبدأ "الجسد الواحد" و أن يجتهد كل منا في رفعة مجتمعه ويشارك في حل المشكلات وألا يستصغر أداء الأعمال الفردية فهي الأساس الذي يؤدي إلى صلاح المجتمع.


يقول الدكتور مصطفى صادق الرافعي: " المسؤولية هي مقياس العظمة، وكان السابقون الأولون فيها هم المتطوعون لغيرهم، العاملون على خدمة إخوانهم وبني جنسهم. وكان أتفه الناس أولئك الذين يلهثون تحت مسؤولية أنفسهم وحدها وليس يشغلهم سواها".


وتؤكد مارتي روزمان المتخصصة في التربية الأسرية في دراسة تتبعت خلالها 84 طفلا من طفولتهم المبكرة إلى العشرينات من أعمارهم على أن تحمل الأبناء ابتداء من سن الثالثة والرابعة لمهام ومسؤوليات تتمثل في تقديم المساعدة والرعاية والمشاركة في أعمال المنزل، يعد عاملا أساسيا في النجاح الذي عرفته بـ"الاستقامة والعلاقات الطيبة والنجاح الدراسي والمهني" وتكمن أهمية أداء هذه المهام في الدور الإيجابي المبكر للطفل وتقوية للروابط والعلاقات وتنمية مهارات الاتصال والإحساس بالقيمة والإنجاز .




0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
د / اسامه الاخرس © 2010 | تعريب وتطوير : د/ اسامه الاخرس | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates