عبد الله الفاضل

مأساته المعروفة عندما تنكر له أهله وعشيرته،وتركوه راحلين إلى مكان آخر لأصابته بالجدري،وملازمة كلبه "شير" له وعثور جماعة من البدو الرحل يقال أنهم من "الصلبة" المعروفين بقدرتهم على شفاء الأمراض عليه،ومعالجته وشفاءه،وعمله لدى الشيخ "تمر باش" في صناعة القهوة وتقديمها للضيوف،وذات يوم أسمعه الشيخ ما يكره ما أثار غضبه،واندفع بسجيته لترديد أبيات من العتابا ذاكرا فيها أهله وقبيلته وعزه الآفل ومكانه بين قومه،وعندما سمع الشيخ شعره وعرف مركزه ألح عليه في معرفة حاله،فأخبره بقصته،وأرسل الشيخ من يستطلع جلية الأمر،فظهر له صحة دعواه،فحاول الشيخ أرضاءه وإكرامه إلا أنه رفض ورحل إلى مكان قريب من أهله،وكان وجهه قد تغيرت معالمه بما طرأ عليه من اثار الجدري،ويقال أن أهله عرفوه وعملوا الحيلة لأعادته إليهم،فقاموا بمنع المطافيل(وهي صغار الغنم) عن الرضاعة ،وذات يوم ممطر أطلقوا سراحها فهجمت على أمهاتها لترضع ،وحاولت زوجته أعادتها ولكن دون جدوى ،وعندما شاهدها بهذه الحالة أندفع لا شعوريا لنجدتها وبذلك تمكن لهم من أعادته إليهم،وفي أشعاره ما يشير إلى ذلك،وعندما تركه أهله قال

هلي شالوا بليل وما هدوني


وردت أرفج ضعنهم ما هدوني


تره أفراق الحمولة ما هو دوني


على اليفهم أمر من الصواب

وعندما ذكر زوجته في ذلك اليوم الممطر ،الذي تخرس الذئاب عن الصراخ لشدته،وانقلب راجعا إلى قومه، قال:

ذريعة شمرة البطان واللف

لجتلي نادوا الجلاد ولف


ذكرتج حين طاب النوم واللف


يوم الخرست عوده الذياب

ويقول في زوجته (ثريا):

"ثريا" تلوح والدنيه مسجبه

مطر وجعود خلاني مسجبه


عجاج الضعن عنبر والمسج به


وأخير من الكرايا المعطنات.

هلي ما لبسوا خادم من الصوف

ولا قلة مجارمهم من الصوف


هلي يا بيضة لو كعت من الصوف


كبل ما صار آدم بالحيا


وأورد معانيها بالشكل التالي(الصوف :يلبسون خادمهم الحرير/ذبح الأغنام للضيوف مستمر/عريقون في القدم قبل آدم وهم من بيض طيور الصافات).


أما الرواية التي حصلت عليها من مدينة شهربان قرية الكبة ،ومسجلة في شريط كاسيت للحكاية كاملة باللهجة السورية فقد كان:


هلي ما لبسوا خادم من الصوف


ولا جزوا ذبيحتهم من الصوف


هلي يا بيضة العربان من صف


كبل ميصير آدم بالحيا


والفرق في النص والمعنى واضح وكبير،فقد أراد بأن أهله لكرمهم لا يلبسون خادمهم الملابس الصوفية الخشنة،بل يلبسونهم ما يلبسونه هم أنفسهم وأكدها في بيت آخر:


هلي ما لبسوا خادم سملهم


وبجبود العدا بايت سم الهم


أن جان أهلك نجم أهلي سمه الهم


وجثير من النجم علا وغاب


أما لازمة البيت الثاني ،من الصوف :فهي أن أهله لا يجزون الذبائح من أصوافها للاستفادة منه وإنما يمنحون الجلد بصوفه للمحتاجين،والبيت الثالث أن أهله بيضة العرب،أنزلت من الطيور الصافة في السماء قبل أن يخلق آدم في هذه الدنيا.


فهذا الخلاف في بيت واحد فكيف الحال في النصوص الأخرى التي أوردها آخرون.


والبيت الأشهر في عتابا عبد الله الفاضل،أثار الكثير من الجدل والنقاش،فقد أورده الدكتور الفاضل :


هلك شالوا على مكحول يا شير


وخلولك أعظام الجزر يا شير


يلو تبجي بكل الدمع يا شير


هلك شالوا على حمص وحماه


وأورد معانيها(شير: أسم الكلب،الجزر: البعير،شير: معناها أسد وهي بالفارسية) والأصل في ديوان العتابا(هلك شالو علامك حول يا شير)ص54 .


وقد رد الأستاذ عادل الدره على هذا المعنى،ويرى أن كلمة (على مكحول) خطأ والصواب(علامك حول) لأن الشطر لا يتفق مع الشطر الأخير(هلك شالوا على حمص وحماه)على اعتبار أن مكحول جبل معروف ولا يتفق الانتقال إليه مع الانتقال إلى حمص وحماه في آن واحد،ورد على الأستاذ الدره الكاتب السوري سعيد أبو الحسن"والحقيقة أن المقصود ب(مكحول) هنا ليس الجبل المعروف،كما يفسره أخواننا في العراق،بل هو أسم الجواد أو البعير الذي شالوا عليه أي حملوا كما نفسره نحن في الشام والبيت ذاته يروى عندنا في الشام رواية أخرى تدل على أن مكحول أسم الجواد أو البعير كما تقدم،والبيت هو:


هلك شالوا على مكحول يا دار


سروا ما ودعوا الخلان يا دار


يلو تبكي بكل الدمع يا دار


هلك شالوا على حمص وحماه


والرواية الشامية تزيل التناقض بين (شالوا على مكحول) وشالوا(على حمص وحماه)ما دام الشيل أو الشد في الشطر الأول يلتصق بالجواد أو البعير،ولا علاقة له بالمكان الذي رحلوا إليه وهو ديرة حمص وحماه.التراث الشعبي عدد1 سنة 11/1980ص195.


وفي لقاء جمعني مع الراحلين الشيخ جلال الحنفي والدكتور رضا القريشي في ندوة المرحوم الدكتور عبد الرزاق محيي الدين رئيس المجمع العلمي العراقي الأسبق،أثرت النقاش مع الدكتور القريشي حول هذا البيت،ومما أكدت عليه حينها 1)أن البيت:


هلك شالوا علامك حول يا شير


وعافولك عظام الحير يا شير ...الخ


فالشاعر يخاطب كلبه المعروف(شير) متسائلا(لقد رحل أهلك يا شير فعلام حلت أي بقيت ولم ترحل مع الراحلين) والكاتب يناقض نفسه في مقدمة البيت عندما قال(وتقول القصة إن عبد الله الفاضل التفت إلى كلبه فوجد دموعه تسيل من عينيه،فصار يخاطبه طالبا إليه أن ينصرف عنه باحثا عن أهله لاختفائهم)أي أنه قال له (أنصرف لماذا تظل معي بينما تركني أهلي وهم أعز شيء لدي).


(2)في القطر السوري الشقيق(موطن الحكاية الأصلي) جاء البيت(هلك شالو علامك حول يا شير) وهو مسجل في كاسيت(أسمعته لهم)كذلك وردت في ديوان العتابا الذي جمعت فيه أشعار عبد الله الفاضل،ولكن الدكتور غير رسمها وأعطاها معنى غير الذي أريدت له.


(3) معنى البيت بالرواية السورية((أن أهلك قد رحلوا فلماذا حلت أي بقيت يا شير،لأن علامك تأتي بصيغتها الاستفهامية ما الذي جرى لك،وحول :حال الشيء :ظل في مكانه.


(4) وفي البيت ذاته جاء الشطر الثاني(وخلولك أعظام الجزر يا شير) وفي النص السوري والنصوص الأخرى المنشورة في أماكن متعددة جاءت(وخلولك أعظام الحير يا شير) والحير هو البعير،فيما الجزر هي الذبح اشتقت من كلمة جزار ومعناها عظام الذبح،وهو خطأ والقصة تقول أن أهله تركوا له بعيرا مهزولا لينتقل به أن أراد الانتقال أو كتب له الشفاء حتى لا يلومون أنفسهم يتركه عرضة للموت جوعا.


عندها مال الدكتور القريشي على الشيخ الحنفي قائل(أنظر لقد خرج علينا محيي الدين برأي جديد حيث أعتبر (على مكحول) علامك حلت،عندها بينت له رأيي معللا أن الرحلة كانت محددة إلى منطقة حمص وحماه،وهي مناطق معروفة لا تحتاج لتمييزها بالإشارة إلى جبل لا أثر له على الخارطة أو يدانيها شهرة وأن علامك من صيغ التساؤل المعروفة في الأوساط البدوية وما زالت تدور على الألسنة حتى اليوم،والحول من حال أي ظل أو بقي) وقد أصغى المرحوم الحنفي لرأيي وأيده والتفت إلى الدكتور القريشي قائلا(هاي أشلون فاتتنه رضا).


أسوق هذه الحادثة لشدة الاختلاف والتباين في آراء الباحثين في النصوص المنسوبة الى عبد الله الفاضل،من حيث المعاني والنص والنسبة الموثقة ،فقد أضيف لتراث هذا الشاعر الفحل الكثير من النصوص المقاربة لأفكاره وتصوراته،ونسب الرواة عن قصد أو دونه الكثير منها رغم أنها لآخرين أدنى منه شهرة وشاعرية،لذلك أرى أن دراسة شعره وتهذيبه وجمعه يمكن أن يخرج لنا ديوانا من العتابا الأصيلة تجلي الكثير من الغبار عن هذه الشخصية التي شكلت معلما في ديوان العتابا،وهناك الكثير من النصوص التي أعتورها التغيير والتبديل والاختلاف بين نص وآخر بسبب الرواة الذين نقلوها مع إضافات أثرت سلبا وإيجابا يمكن للدارس المتعمق استجلاءها وبيانها،وذلك يحتاج لدراسة طويلة دونها هذا البحث المبتسر.

علامك توحشين الخدم يا دار &&& وهلك كانوا خزاين مصر يا دار

اشوف الفلك بالمقلوب يندار &&& البوم يصيد والقواس خاب

بــعــد الـشــفــاء

كان عبدالله الفاضل غاضباََ على أهله لتركهم إياه في تلك المحنه فلم يلحق بهم بعد شفائه, وتوجه الى ديار رجل كريم يدعى ((تمرباش))
هو زعيم عشيرة كرديه على الحدود السورية التركية, وقد عمل عبدالله
لديه قهوجياََ مخفياََ حقيقة نسبه.

وفي أحدى الأيام كان مجلس تمرباش خالياََ من الضيوف فأمر عبدالله أن يلعب معه ((المنقله)) وهي لعبه تشبه النرد فغلبه عبدالله مما جعل ترمباش يغضب ويلطم عبدالله على وجهه.

وأمام هذه الإهانه تفجرت المشاعر في نفس عبدالله, فأنطلق وحيداََ يعزف
على الربابه ينشد الأشعار في ذكر أمجاد أهله كقوله :

هلي للشاذلي طاحون يسحون &&& دواهيك لعظم الضد يسحون

هلي ما قلطوا ميدات بصحون &&& خنادقهم تحفر من عشا

هلي عز النزيل وعز منزال &&& ودوم لهم على الدربين منزال

عشوب الناس تنبت وهلي ما زل &&& خضر ما يبسه بارح هوا

هلي الما مال للعازه حملهم &&& ودوم الناس ترجاهم حمى لهم

النخل لطواب والقاع تحملهم &&& رملهم غضب لو داسوه الأحباب

هلــي مالبســوا خــــــــادم سمــلــهـم

وبجبــود ( بكبود ) العدا بـــايت سـم لـهــم

إن جان ( كان) أهلك نجـم أهلي سماإلهـم

جثير ( كثير ) من النجــم عــلا وغـــــــاب

***
هلـــــــيويــــاكم يلــذ العيـــش ويطيـب

ونســايـمــكم تــداوي الجــرحويــطيـــــــب

هلـــــي منكــم تعلمــت الوفـــا والطيــــــب

هلـــــي ياهل المضـــــــــــايــفوالــدلال

(*)

وأوردها العض على شكل آخروغناها الفنان رياض أحمد هكذا :

هلـي مالبسـواخـــــــــــــــادم سمـلـهـم

وبجبـود (بكبود) العدا بـــــايتسملـهــم

إن جان ( كان) أهلك نجـم أهلي سما إلهـم

جثير ( كثير ) منالنجــم عــلا وغــــاب

هلي ماغدوا الغد بغداهم ولامطرودهم منهم

غداهم هلي وقادة الجوخ (الشوخ) بغداهم

هلــــي ياهــــــلالمضــــــــايــف والــدلال

***
حمد يابني تلقى الضيـــف حي بيــــــه

وعسى سمـــوم بزاد النذل حي بـــــيه

ياهــو الجمع مــاله و عــاشحي بيــــه

ويـــاهــــو الحـفـظ روحـــه مــن الرديــه

هلي للشاذري طاحون يصحون

دواهيج لعظم الضد يسحون

هلي ما دارمالميدات بصحون

خنـــــادقهم تحفر من عشــا

***
هلي سمح الطرايقوشملوهن

ياعود الحور عالي وشملوهن

هلي عج المناسف وشملوهن

حميس الضـــان بسنيـــن الغلا

هلك شالوا علامك حول يا شير = وخلوا لك عظام الجزر يا شير

ولو تبكي بكل الدمع يا شير = هلك شالوا على حمص وحماة

هلي بالدار خلوني وشالوا = وخلوني كعود بطن شالوا

على حدب الظهور اليوم شالوا = وحالت دونهم كور وسراب

لقد تركوه في خيمته كالعود في الماء وحملوا أمتعتهم على ظهور الإبل، وغابوا خلف التلال والسراب. ويواصل قصة الأحزان:

هلي شالوا بليل وما أعلموني = خلوني شبيه المعلموني

تمنيتج يروحي معلموني = معاهم لا صميل ولا زهاب.

هلي مالهم بدار الجار شينا = وهم اللي لعظم الضد جار شينا

يفاضل على الجارات ما جرت شينا = ولا وتوا أصحاب على جناب

ويواصل فخره بأهله، فهم عز النزيل وعز منزال؛ أي خير منزل، وعز من كال؛ أي أن كلامهم خير الكلام، إلى أن يقول:

هلي نزالت المشرع وهل عود = وهل خيل رمك سبك وهل عود

أهل دله وهل عبد وهل عيد = عليهم يوم الكوات الجناب.

عليك الراي من فاضل يا ديرا = وخشم الضد بالمرهف نديرا

غرم ترعى البويضه بكل ديرا = وغصب عن الشوارب واللحا.

يناشد قومه بأن لا يأخذوا بغير رأيه، فأبوه يقطع بالسيف أنف عدوه، وناقته 'البويضه' ترعى في كل أرض رغم شوارب ولحا الأعداء.

هلا بثري والدنيا مسك باه = عطر يا ريحه خدودك مسك بيه

عجاج الظعن عنبر والمسك بيه = أخير من القرايا الموخما.

عرفت مؤخرا في بلاد الشام وبلاد الرافدين 000


ومنها

هلى وياكم يلذ العيش ويطيب
ونسايمكم تداوي الجرح ويطيب
هلى منكمتعلمت الوفا والطيب
هلي يا هلى المضايف والدلال

هلي شالوا بليل وما علموني


خلوني شبيه المعلموني


تمنيتك يروحي معلموني


معاهم لاصميل ولازهاب

ويقول:

هلي لو شح قوت الناس عدنا


كرام واليتيم يعيش عدنا


عقب ماكنا ذرو للناس عدنا


نتذرى بالذي مالو ذرا

ويقول:

هلي شالوا وخلوني بصيرة


وضيعت الدليل مع البصيرة


بعد لبس الحساوي من البصيرة


على عيني محاتفني الغراب

يمكنكم زيارة ملف التعريف الخاص بنا على اليوتوب عبر الرابط التالي :
http://www.youtube.com/watch?v=yyKs2W9HNy0